اقتصاديات الطاقة: معضلة النفط الخام في ليبيا

اقتصاديات الطاقة: معضلة النفط الخام في ليبيا

تجلس ليبيا على واحدة من أكثر احتياطيات النفط المرغوبة في العالم. فهي موطن لأكبر احتياطيات نفط خام مثبتة في إفريقيا، وتشتهر الدولة الواقعة في شمال إفريقيا بنفطها الخام الخفيف ”الحلو“ عالي الجودة الذي يحتوي على نسبة منخفضة من الكبريت وسهل التكرير. هذا النوع من النفط مطلوب بشدة في السوق العالمية، حيث يمكن بيعه بسعر مرتفع ويساهم بشكل كبير في الإيرادات الوطنية. ومع ذلك، فإن ليبيا تعاني من نقص في الوقود، وانقطاعات في الكهرباء، وأزمة طاقة محلية تبرز التناقض المحير بين ثروة الموارد والأمن الطاقي.

 

يكمن هذا التناقض في صميم معضلة الطاقة في ليبيا: فهي تصدر كميات هائلة من النفط الخام غير المكرر إلى الأسواق العالمية ولكنها تفتقر بشكل كبير إلى المصافي للاستخدام المحلي. تظل البلاد غير قادرة على تزويد سكانها بشكل كافٍ بالمنتجات البترولية المكررة، وتعتمد على الواردات للحصول على المنتجات اللازمة لتشغيل المركبات وتوليد الكهرباء أو حتى توفير الطاقة بشكل مستمر للمستشفيات ومرافق المياه. بالنسبة لدولة غنية بالنفط، فإن ليبيا فقيرة بشكل مفاجئ في الوقود.

 

 

تصدير الثروة، استيراد الاعتماد

 

يعتبر النفط الخام الخفيف الحلو في ليبيا محبوبًا في الأسواق الدولية، خاصة في أوروبا، نظرًا لسهولة معالجته وتأثيره البيئي المنخفض عند حرقه. يشكل قطاع البترول القوة الدافعة في الاقتصاد الليبي، ويمثل أكثر من 95٪ من عائدات التصدير في البلاد. ولكن بدلاً من تكرير النفط محليًا لتلبية الطلب الداخلي على الوقود، تصدر ليبيا الجزء الأكبر من نفطها الخام وتنفق جزءًا كبيرًا من أرباحها على استيراد المنتجات البترولية المكررة مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات.

 

 

لقد أثبت هذا الاعتماد على واردات الوقود أنه مكلف واستراتيجياً ضعيف. أدت الاضطرابات في الإمدادات، التي غالبًا ما ترتبط بعدم الاستقرار السياسي أو النزاعات، إلى طوابير طويلة في محطات الوقود، وانقطاعات في الكهرباء تستمر لعدة ساعات أو حتى أيام، وإغلاق متكرر للخدمات الحيوية. لقد أصبحت الحالة شديدة لدرجة أن المدن الغنية بالبنية التحتية النفطية تجد نفسها غير قادرة على توليد ما يكفي من الكهرباء لإبقاء أضواء الشوارع مضاءة أو مضخات المياه تعمل. إن اعتماد ليبيا على العالم الخارجي يضعها في وضع غير مؤاتٍ على الرغم من أراضيها الغنية بالموارد.

 

 

البنية التحتية في حالة تدهور

 

لم تواكب قدرات التكرير في ليبيا طموحاتها التصديرية. تمتلك البلاد خمس مصافي نفط رئيسية، أكبرها مصفاة الزاوية. ومع ذلك، فإن سنوات من الإهمال وسوء الصيانة والتخريب والأضرار الناجمة عن الحروب قد أثرت بشكل كبير على وظائف هذه المنشآت، مما تسبب في إغلاق بعضها تمامًا. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط (NOC) القوة القاهرة بعد أن تعرضت المصفاة لأضرار جسيمة بسبب الاشتباكات المسلحة القريبة. إن البنية التحتية للتكرير التي لا تزال تعمل غير كافية لتلبية الطلب المحلي على الوقود.

 

 

لقد توقفت محاولات تحديث وتوسيع قطاع التكرير في ليبيا إلى حد كبير بسبب الانقسام السياسي المستمر وانعدام الأمن. البلاد مقسمة بين إدارات متنافسة، كل منها يسعى للسيطرة على عائدات النفط، ويظل الاستثمار في البنية التحتية الحيوية أقل ربحية للاعبين الرئيسيين. لقد عرقلت الفساد وسوء الإدارة وغياب سياسة طاقة وطنية متماسكة الجهود الرامية إلى تعزيز التكرير المحلي.

 

 

التكاليف الاقتصادية والاستراتيجية

 

إن عدم الكفاءة الاقتصادية لتصدير النفط الخام واستيراد الوقود المكرر مذهل. تخسر ليبيا القيمة في كلا طرفي الصفقة: فهي تبيع النفط الخام بأسعار السوق ولكنها غالبًا ما تشتري المنتجات البترولية مرة أخرى بسعر مرتفع، حيث يتم تكريرها وجاهزة للاستخدام العملي. في الواقع، تصدر ليبيا ثروتها ثم تشتريها مرة أخرى بسعر مرتفع.

 

 

كما دخلت ليبيا في اتفاقيات مبادلة النفط بالوقود، حيث تصدر النفط الخام وتستقبل المنتجات المكررة في المقابل. على الرغم من أن هذه الصفقات ضرورية إلى حد كبير، إلا أنها أبرزت مشكلة أكثر إلحاحًا: التهريب. الحقيقة المؤسفة على الأرض هي أن الكثير من الوقود المستورد يتم سرقته وبيعه في السوق السوداء، مما يؤدي إلى اختلاس مليارات الدولارات التي يمكن أن تُضخ في اقتصاد ليبيا وبنيتها التحتية للطاقة.

 

 

تُقوض هذه الأساليب السيادة الوطنية للطاقة في ليبيا. خلال أوقات نقص الوقود العالمي أو التوترات الجيوسياسية، تجد ليبيا نفسها عرضة لصدمة الإمدادات. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الاضطرابات في البلدان المجاورة أو الأسواق العالمية إلى تأخير شحنات الوقود، مما يترك المستهلكين الليبيين في الظلام. هذا الاعتماد يمثل مشكلة خاصة للبنية التحتية الحيوية – المستشفيات ومحطات تحلية المياه وشبكات الكهرباء – التي تتطلب إمدادات وقود مستمرة للعمل.

 

 

طريق إلى الأمام؟

 

حل معضلة النفط الخام في ليبيا سيتطلب أكثر من مجرد إصلاحات تقنية. إنه يتطلب مصالحة سياسية وإصلاح الحوكمة ورؤية طويلة الأمد لأمن الطاقة المحلي. سيستغرق إعادة تأهيل المصافي القائمة وبناء مصافٍ جديدة سنوات ومليارات الدولارات من الاستثمار، ولكن بدون هذه البنية التحتية، ستظل ليبيا مفارقة: بلد يغرق في النفط ولكنه يعاني من العطش للوقود.

 

 

هناك بعض الاقتراحات الواعدة. أحد الاحتمالات هو إنشاء هيئة طاقة خاصة لا تخضع لسيطرة الدولة، وتكلف بالإشراف على مشاريع التكرير وضمان التوزيع العادل لموارد الطاقة. فكرة أخرى هي استدعاء جهة أجنبية رئيسية لتطوير البنية التحتية اللازمة لدعم إمدادات الطاقة المحلية داخل ليبيا مقابل نفطها الخام المميز. تقوم الصين بالفعل بشيء مماثل في نيجيريا، حيث تقوم بمشاريع بناء ضخمة مقابل النفط. سيكون هذا أكثر فائدة لأمن الطاقة طويل الأمد في ليبيا من ترتيب مبادلة النفط بالوقود الحالي الذي يركز أكثر على المدى القصير. يجب على القادة الغربيين أن يلاحظوا ذلك.

 

 

ما هو واضح هو أن ليبيا يجب أن تتوقف عن اعتبار النفط الخام مجرد محصول نقدي للتصدير وتبدأ في معاملته كأصل وطني يمكن أن يدعم تنميتها الخاصة. حتى ذلك الحين، ستظل ثروة النفط في ليبيا سيفًا ذا حدين – غنيًا بالإمكانات، ولكنه فقير في الممارسة.