تطوير الموانئ الليبية يستعد لتحويل التجارة المتوسطية
يمنح الساحل المتوسطي الطويل لليبيا وموقعها المركزي بين أوروبا والمغرب العربي والشرق الأوسط ميزة طبيعية كمركز للشحن. أدت النزاعات الأخيرة في البحر الأحمر إلى إعادة توجيه حادة للتجارة العالمية. خفضت الهجمات في البحر الأحمر في أوائل عام 2024 حركة المرور في قناة السويس إلى النصف، مما أجبر العديد من السفن بين آسيا وأوروبا على الدوران حول رأس الرجاء الصالح. أدى هذا الاضطراب إلى زيادة الأحجام في موانئ غرب المتوسط (شهدت فالنسيا وبرشلونة الإسبانيتان ارتفاعاً في حركة الحاويات بنسبة ~14-24% في يناير-سبتمبر 2024) وأكد أهمية المسارات البديلة. يمكن لليبيا الاستفادة من هذه الاتجاهات من خلال تحديث موانئها وشبكتها اللوجستية لاستيعاب التجارة المحولة بين أوروبا وأفريقيا وآسيا.
تخدم الموانئ الليبية الرئيسية مناطق ووظائف مختلفة. مصراتة هي أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً وتضم منطقة حرة مدعومة من الحكومة. أصبحت مركزاً إقليمياً عندما تم حصار طرابلس وبنغازي خلال النزاع. في عام 2020، تعاملت مصراتة مع أكثر من 1.2 مليون حاوية نمطية (بزيادة 10% عن العام السابق)، وتقدم اليوم مرافق حديثة وأنظمة رقمية مصممة لجذب شركات الشحن. في منتصف عام 2025، بدأت شركات النقل الكبرى في التوقف هناك – على سبيل المثال، أطلقت شركة Ocean Network Express (ONE) اليابانية خدمة أسبوعية عبر مصراتة – وهناك الآن خط شحن جديد يربط ميناء دمياط المصري بمصراتة. توفر المنطقة الحرة بمصراتة إجراءات جمركية مبسطة وتجذب المستثمرين الأجانب بنشاط (وقعت مؤخراً مذكرة تفاهم مع شركة China Harbor Engineering للبنية التحتية للموانئ). ومع ذلك، لا يزال الميناء بحاجة إلى أرصفة أعمق وترقيات إضافية للرافعات/المعدات للوصول إلى طاقته الكاملة البالغة 5 ملايين حاوية نمطية.
طرابلس، ميناء العاصمة الليبية، هو أكبر موانئ البلاد من حيث المساحة ولديه محطات متنوعة (البضائع العامة، الحاويات، الدحرجة، النفط). وفقاً لـشركة الموانئ الليبية، تمتلك طرابلس 27 رصيفاً وقدرة إنتاجية مصممة تبلغ حوالي 500,000 حاوية نمطية في مرحلتها الأولى. يبلغ عمق قناة الملاحة حوالي 12 متراً (كافٍ للسفن متوسطة الحجم). تم تحديث الميناء على مر السنين مع ساحة حاويات جديدة ومحطة للركاب، وفي 2023-25 بدأ في إعادة فتح أبوابه للخدمات الدولية: على سبيل المثال، أطلقت مجموعة Tarros خط تغذية متوسطي يربط طرابلس (ومصراتة) بالموانئ الإيطالية. استأنفت طرابلس أيضاً روابط الرحلات البحرية وشحن الدحرجة (مثل استئناف خدمة العبارات مع تونس في 2023). لكن عدم اليقين السياسي لا يزال يعيق الكفاءة. هناك حاجة للاستثمار في تعميق القنوات (للتعامل مع السفن الأكبر من الجيل الجديد) وفي معدات مناولة البضائع. حددت السلطات مشاريع التجديد، لكن النجاح يعتمد على السلام وتحسين إدارة الموانئ.

بنغازي هو الميناء الرئيسي في شرق ليبيا. أغلقه النزاع السابق لسنوات، لكن إعادة الإعمار جارية حالياً. في أوائل عام 2025، تفقدت القيادة العسكرية توسعة الميناء الجارية لزيادة القدرة وتحديث مرافق الشحن. عند اكتماله، من المتوقع أن يعمل ميناء بنغازي المطور كبوابة متجددة لواردات وصادرات شرق ليبيا. (قبل الحرب، كان للميناء قدرة استيعابية تبلغ حوالي 200,000 حاوية نمطية). بدأت الخطوط الدولية في التوقف: ستشمل خدمة Tarros/Messina LEX بنغازي، وتفتح الشركات الليبية طرقاً جديدة إلى سوريا عبر بنغازي. ومع ذلك، تحتاج بنغازي إلى استثمار مستدام: ترقيات الرافعات والساحة، وتحسينات الأمن، لتتناسب مع إمكاناتها الاستراتيجية. كما يعاد بناء ميناء درنة القريب (شهدت درنة أول سفينة تجارية منذ عقد في 2023)، لكنه لا يزال صغيراً.
يقع طبرق على الحدود الشرقية البعيدة ويخدم بشكل رئيسي واردات النفط والوقود. كان رصيف الوقود مغلقاً لمدة عامين لكنه أعيد فتحه في أواخر 2024. سلمت أول ناقلة بعد التوقف 30,000 طن من البنزين في نوفمبر 2024، ومن المتوقع الآن أن تخفض التسليمات المباشرة تكاليف إمدادات الوقود في شرق ليبيا. خفف إعادة فتح طبرق الضغط عن ميناء بنغازي (الذي كان يتعامل مع شحنات وقود إضافية). في المستقبل، ستحتاج البنية التحتية لطبرق (خطوط الأنابيب والأرصفة والتخزين) إلى مزيد من الإصلاح والتحديث إذا كان عليها دعم الاقتصاد الشرقي وحركة المرور المحتملة الجديدة (مثل صادرات المعادن من برقة) بشكل موثوق.
الخمس هو ميناء غربي أصغر بالقرب من طرابلس. يخدم بشكل أساسي التجارة المحلية وكان سابقاً محطة نفطية (تربط بخط أنابيب مصفاة الزاوية). المعلومات الحالية محدودة، لكن الحكومة نفت مؤخراً تقارير إعلامية عن تأجير الميناء لتركيا. بشكل عام، يفتقر الخمس إلى أرصفة المياه العميقة ويتعامل فقط مع السفن الصغيرة. سيحتاج إلى استثمار كبير ليصبح مركزاً رئيسياً للشحن، لذلك يظل حالياً ميناءً هامشياً.
الفرص الاقتصادية
يمكن لتوسيع موانئ ليبيا أن يطلق فوائد اقتصادية كبيرة. من شأن تحسين الوصول البحري أن ينوع الإيرادات ويخلق فرص عمل في التجارة والخدمات اللوجستية والصناعات ذات الصلة. تزيد الموانئ الفعالة من الإيرادات الجمركية: كل حاوية تمر عبر الموانئ الرئيسية تولد إيرادات من الرسوم والضرائب، مما يساعد الميزانيات العامة. ستؤدي زيادة توقف السفن إلى زيادة الطلب على خدمات الشحن والتخزين والنقل البري وخدمات الموانئ والصيانة – مما يدعم آلاف الوظائف. علاوة على ذلك، ستدمج الموانئ الأفضل ليبيا في اتفاقيات التجارة الإقليمية. يمكن لليبيا الربط مع مبادرات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) من خلال العمل كمركز للاستيراد والتصدير للتجارة بين المتوسط وأفريقيا. من شأن تعزيز روابط العبارات والشحن مع أوروبا وتركيا وشمال أفريقيا تقوية السياحة والصادرات الصناعية. باختصار، يتناسب تطوير الموانئ مع نصيحة البنك الدولي لتعزيز نمو القطاع الخاص في قطاعات البنية التحتية. من خلال تحديث الخدمات اللوجستية، يمكن لليبيا التنويع بعيداً عن النفط وتوسيع التصنيع والتجارة، مما يؤدي إلى مكاسب اقتصادية واسعة.
التحديات والعوائق
رغم الإمكانات، تواجه ليبيا عقبات خطيرة. البنية التحتية للموانئ قديمة وغير مصانة بشكل جيد. العديد من الأرصفة والمستودعات والرافعات تعود إلى ما قبل 2011؛ بعض المعدات قديمة. التجريف غير مكتمل في بعض الأماكن: على سبيل المثال، مدخل طرابلس عمقه حوالي 12 متراً فقط، مما يحد من حجم السفن مقارنة بأعماق 15-18 متراً في موانئ المتوسط الرئيسية. العمليات الجمركية والتنظيمية غالباً ما تكون بطيئة وغير شفافة. على الرغم من أن المنطقة الحرة في مصراتة تقدم ”إجراءات جمركية مبسطة“، تعاني الموانئ الأخرى من التأخير البيروقراطي ونقص الموظفين. وفقاً لتحليل مجموعة أكسفورد للأعمال، يحتل قطاع الخدمات اللوجستية في ليبيا مرتبة متدنية جداً (139) في مؤشر الأداء اللوجستي للبنك الدولي، مما يعكس هذه أوجه القصور. الأمن والحوكمة هي قضايا إضافية. أدت الانقسامات السياسية إلى حصار متكرر (مثل خسائر تجاوزت 6 مليارات دولار في 2020 عندما أغلقت طرابلس/بنغازي). يمكن أن يؤدي الفساد وضعف القدرة المؤسسية أيضاً إلى زيادة التكاليف. باختصار، سيتطلب توسيع الموانئ استثمارات كبيرة وإصلاحات واسعة – تحسين إدارة الموانئ، والإصلاح التنظيمي والشراكات بين القطاعين العام والخاص – كما أكد خبراء التنمية.
الشراكات والدعم الدولي
هناك اهتمام عالمي متزايد بالموانئ الليبية. تستكشف الشركات الصينية المشاريع: على سبيل المثال، وقعت المنطقة الحرة بمصراتة مذكرة تفاهم في 2023 مع شركة China Harbor Engineering (جزء من CCCC) لدراسة أعمال الموانئ والبنية التحتية. تركيا شريك رئيسي في جميع أنحاء البلاد والشركات الإيطالية تعود أيضاً: بالإضافة إلى خطوط التغذية التابعة لشركتي Tarros/Messina إلى طرابلس ومصراتة، بدأ ميناء أنتويرب (بلجيكا) – ثاني أكبر موانئ أوروبا – في تقديم استشارات حول تحديث مصراتة في أبريل 2025. تتماشى المشاريع الإقليمية أيضاً مع هذه الجهود: على سبيل المثال، يمكن لخطط الروابط السككية بين ليبيا والدول المجاورة أن تصب البضائع في الموانئ الليبية. على الصعيد متعدد الأطراف، حث البنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة على الإصلاح الاقتصادي في ليبيا (بما في ذلك البنية التحتية) رغم عدم وجود قرض مخصص للموانئ علناً. عملياً، يمكن للمساعدة في إعادة بناء شبكات النقل (الطرق، السكك الحديدية) أن تفيد الموانئ بشكل غير مباشر من خلال تحسين الربط مع المناطق الداخلية.

يمكن لليبيا الاستفادة من طرق الشحن المتجددة والاهتمام الأجنبي لبناء مركز لوجستي متوسطي. هناك حاجة لاستراتيجية واضحة ومرحلية: إعطاء الأولوية للتجريف وترقية الأرصفة في الموانئ الرئيسية (مصراتة، طرابلس، بنغازي)، تبسيط الإجراءات الجمركية من خلال ممارسات شبيهة بالمناطق الحرة، والسعي للشراكات (شركات البناء الصينية والخبرة الأوروبية) التي تنقل المعرفة ورأس المال. بهذه الخطوات، يمكن أن تصبح موانئ ليبيا محركات للنمو – خلق فرص العمل، زيادة الإيرادات الجمركية، وربط ليبيا بشكل أوثق مع الاقتصاد الإقليمي والعالمي.